حاتم الجنوبي



هناك في جنوب المملكة بين جبال السروات، في تنومة التي يَزَين أرضها بديع النبات، أسطورة حية لا تخفي البَسَمات.

العم فايز الشهري، أو كما اشتهر بلقبه، العم دحدوح، أخذ على عاتقه واجبًا عظيمًا بأن يحفظ تراث أجداده للأجيال القادمة بماله ووقته ولسانه، وقد ظل في قيامه لهذا الواجب لما يقارب خمسًا وأربعين سنة.

يشتهر العم دحدوح بكرمه في جنوب المملكة، تماما كما اشتهر حاتم الطائي في شمالها، ولا يغلب كرمه سوى ابتسامته المبهجة، وخفة ظله، وطيب نفسه.

في دار دحدوح الزاهية، الجميع مرحب به، يزوره الصغير والكبير، والقريب والغريب، والغني والفقير، والكل سيلقى فائض اللطف والاحترام, وأنيس القول والكلام.

عند دخولك لدار دحدوح سترى الكثير من القطع الأثرية، والتي يحتفظ بها من عشرات السنين, وبعضًا من الصور القديمة التي تخزن الذكريات، عوضا عن تلك القصص الغفيرة من لسان العم دحدوح المليئة بخبرات السنين.

عندما تجلس سيبدأ العم دحدوح في صنع القهوة على الفور ضيافةً لك، وسيرن في أذنيك ذلك الإيقاع الرتيب، خارجا في أداة النجر، والتي يستخدمها العم دحدوح لطحن قهوته، فهو يصر على أن يحتفظ هذا المكان بعراقته حتى في أبسط الأمور كطحن القهوة.

وبعد ذلك، سيطلب منك العم إكمال طحن القهوة بنفسك في هذا النجر الموسيقي، وهذا ليس انطلاقا من المبدأ الغربي، اخدم نفسك بنفسك! ولكن انطلاقا من مبدأ أن الضيف يجب أن يشعر كواحد من أهل المنزل.

يحافظ العم دحدوح أيضا على العادات القديمة في الضيافة، ومنها أن يعطي ضيفه سلة تسمى بـالحواجة، والتي تحتوي العديد من انواع بهارات القهوة ليختار منها الضيف ما يشاء، وبعد أن يقوم بطحنها، يناول الضيف يد النجر ليتنسم شذا البهارات الزكية ويعطر بها لحيته!

من أطرف القصص التي يتباهى بها العم دحدوح، هي قصته مع الملك عبدالله بن عبدالعزيز (رحمه الله)، ففي أحد مهرجانات الجنادرية، كان العم متواجدًا في ركنه الأثري، يستقبل الضيوف، ويكرمهم بقهوته من دلته العتيقة التي أطلق عليها اسم مُروية، فمر ذات مره الملك عبدالله (رحمه الله)، واستقبله العم ممدوح بابتسامته العريضة قائلا: تفضل طال عمرك هذه مروية! مشيرا إلى دلته، وسترويك أنت ومن معك فحياكم، فوقف الملك فورا، وأخذ يبصر في هذه الدلة العتيقة محتارًا ثم قال مازحا: هذه مضمية، وليست مروية!

عوضا عن كل هذه العادات المثيرة للاهتمام، ولطيف الحكايا والكلام، هناك أكثر من ذلك مما قد لا يوصله الحرف، ولا جمال الصور والأفلام، فإن ذهبت بك الأيام لجبال تنومة يوماَ، فزر العم دحدوح وألق السلام. 

اكتب تعليقًا

التعليقات سيتم الموافقه عليها قبل قبولها واظهارها